يزداد الفضول عند بعضهم إلى درجة الوقاحة المطلقة والسؤال عن أشياء لا يتجرأ اقرب الناس إليك بسؤالك. ويعطي نفسه الحق الكامل بمعرفة ما يريد أن يعرفه عن خصوصياتك الدقيقة دون خجل.

لكل إنسان خصوصياته التي لا يحب أن يطلع عليها احد ,أو أن يطلع البعض عليها دون الآخر وذلك كله يتحدد على حسب درجة قرب ذلك الشخص منه وحساسية المعلومة.

يتميز الإنسان بعلاقاته مع الآخرين بدوائر تحيط به ,فالدائرة الأوسع هي لكل الناس ولأي شخص الحق بالدخول في هذه الدائرة الواسعة. ثم الدائرة الأضيق التي تليها ويستطيع ولوجها عدد أقل من الناس ولهم الحق بمعرفة القليل من المعلومات. وهكذا حتى نصل الدائرة التي لا يحق لأحد غير الإخوان والأصدقاء والأحباب أن يدخلوها ,وأخيرا الدائرة الخاصة التي لا يمكن لأي أحد أن يسبرها وفيها الأسرار الأبدية. يمنح كل إنسان الصلاحيات للدخول إلى أي دائرة لأي شخص يراه مناسبا للوصول إليها , فيمنح زوجته مثلا الوصول إلى الدائرة الأصغر والأكثر خصوصية ,وآخر يمنحها لصديق واحد فقط دون غيره فيلقي بأسراره وما يختلج في صدره إلى هذا الصديق.

يلغي الحمقى والمغفلون هذه الحواجز فيصبحون صفحة مفتوحة منشورة للجميع. وفي المقابل يتحفظ الآخرون لدرجة أن جميع الدوائر تصبح دائرة واحدة كبيرة وشديدة الخصوصية ,ليجد نفسه عاجزا عن التعامل مع المجتمع, يعيش وحيدا مسجونا في دائرته بلا أصدقاء ولا أحباب.

أقول إن من الوقاحة الدخول إلى دوائر الناس الخاصة الغير مصرحة والسؤال عن الخصوصيات ومالا يمكن الاطلاع عليه إلا من الأحباب والمقربين. يتجرأ بعضهم ليسألك عن علاقتك بزوجتك أو أبنائك وبناتك وأمك وأهلك وخاصتك ,وعن دخلك المادي والديون التي عليك ,وحتى عن سبب زيارتك لفلان أو انقطاعك عن فلان. تقابل بعضهم بوجه مبتسم وخاطر جميل يفسره من تلقاء نفسه بأنه تصريح له ليسبر دواخلك ويتكشف خصوصياتك ولا يحترم حدوده معك.

لا تفرط بتوسيع دائرتك الخاصة أو أن تزيد من حساسيتها فتخسر الناس. ولا تفتح الدوائر على بعضها وتكون مكشوفا لكل من كان بلا خصوصية. ولا تتجرأ على خصوصيات الآخرين واحترم دوائهم الخاصة ولا تسأل عن ما لا يحق لك فتكون فضوليا يمقتك الناس.

يقول عمر الخيام:

عاشر من الناس كبار العقول ,وجانب الجهّال أهل الفضول ,واشرب نقيع السم من عاقل ,واسكب على الأرض دواء الجهول.